لفاتحة على روح الشبوط

لفاتحة على روح الشبوط

وعدتكم ايها الاخوة بهذه المشاركة وها انا افي بالوعد..
واترككم تتخيلون الوقائع واستنباط العبر حسب قناعاتكم..
مراسم العزاء هي عادة اسلامية مستحبة...تعني مشاركة اهل الفقيد
بمصابهم ومواساتهم
وهي تختلف من بلد الى اخر ومن بيئة الى بيئة اخرى..
سانقل لكم مشاهداتي في خيمة العزاء البوكمالية:
الخيمة كبيرة وقد تم تصميمها لاستيعاب ما يقارب مئة شخص.
يجلسون على كراسي من النايلون تم وضعها على اربعة صفوف متقابلة.
في الوسط يتم وضع طاولتين تكون الاولى مخصصة لطرمز الماء ولوازم الشرب.
والثانية يوضع عليها ختمة من القران الكريم على شكل اجزاء تكمل بعضها
للاستفادة من أجر قراءتها لصالح المتوفي.
وهناك المصابيح والانوار الكثيرة التي تنير الخيمة.
في العادة يجلس اصحاب الفقيد في مقدمة الخيمة لاستقبال المعزين.
واشعارا بوصول مجموعة جديدة من المعزين يقوم اصحاب الفقيد بالوقوف
احتراما لقدومهم وترحيبا بهم.
يلقي القادمون السلام وهم في طريقهم للجلوس داخل الخيمة.
يقوم احدهم بالنيابة عن الباقين برفع صوته بالدعاء التالي:
عظم الله اجركم واحسن عزاؤكم وغفر لميتكم والى روحه ثواب
سورة الفاتحة مع الصلوات.
فيقوم جميع الحاضرين بفتح ايديهم على شكل (( قوس مفتوح )) وتبدأ
شفاههم بالتلاوة الهامسة:
.....اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم.....ولا الضالين..
بعد تلاوة السورة كاملة يقوم القاريء بمسح جبينه بكفه..
نزولا الى اسفل ذقنه وربما يمسح صدره...
فينظر المعزي الى اهل الفقيد ويقول:
- خلفكم بالله...يسلم الدين والايمان.
فيرد اهل الفقيد:
- الله خير وابقى...
فتتوالى سلامات الترحيب من الجالسين في الخيمة:
- مرحبا يا جماعة مرحبا...مرحبا ..مرحبا ...مرحبا..
فينظر المعزي الى اليمين والشمال وهو يرد التحية:
- هلا حجي هلا...اهلا اهلا...هلا اخوي هلا..هلا هلا
يأتي دور الضيافة والقهوة العربية المرة..
يشربون القهوة ويحمل اكثرهم مسابيح ام 33 أو 99 أو 101 حبة
ويتم التقاط الحبات وتمريرها بأطراف الاصابع مع حركة في الشفايف
تدل على بدء عملية التسبيح:
سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر.
يقوم احد الاطفال بالمرور بين الصفوف حاملا سلاحية الماء للشرب.
ومنهم من تجي السيجارة على باله فيشربها..
ذلك هو طقس العزاء بشكل عام..
ولكن ما جرى في تلك الامسية التي حضرتها كان مختلفا جدا.
فقد توفي احد الرجال وكواجب على الجميع حضرت الى الخيمة.
مررت بكل تلك المراحل المذكورة اعلاه بنجاح.
وكان موضع جلوسي قريبا جدا من مكان اهل الفقيد.
ولا يفصل بيننا الا عدة كراسي.
كان الاشخاص الذين يجلسون بالقرب مني من اصحاب الطرافة.
فقد لاحظت ان أحدهم أخذ يشرب الماء كثيرا - رغم برودة الطقس -
وهذه حالة غريبة عندما يقوم احدهم بطلب الماء باستمرار.
التفت اليه جليسه الملاصق له وقال بصوت - شبه مسموع - :
- هاشبيك يول؟؟؟ عثاريك ا~كل صرامي عتّق؟؟؟
كدنا ان ننفجر ضاحكين...
رد عليه - شارب الماء - :
- والله ياخي من اربع خمس ايام طلعنا عالفرا تا نتصيّد شبابيط..
مشتهين ناكل سمك...
نزلنا قفا السيال بشوية وجينا على خليج يسمونه (( خليج ابو لحية )).
شفنا ساقية كبيرة فايتة بالزل وبيها حركة غير طبيعية.
قلنا: ترى يولّوا هاي خرتشة شبابيط..
ليش ما تخلونا نحصرها بهالشبك ونطبطبها؟؟
- يا جماعة ما لحقنا نلوفها بالشبك الا بلّش التفّ بالشبك..
- احصر يول احصر...
(( كان الرجل يروي قصته والجميع مصغ اليه وأولهم اهل الفقيد )).
فكانوا يتابعون قصته المشوّقة بشغف:
- خيو مالكم بالطويلة...استنينا شوية وشربنا سكاير واحنا بالطرادة..
شوح من الزمان قلنا:
- قوموا تا نلم الشبك...
خيو ايمت ربك يريد ينطيك منو يقدر يعترض؟؟
رد الجميع:
لا اله الا الله ..والنعم بالله.
هات هات هات ..وبلّش الكرب يجي كل وحدة أغلظ من هالصوبة..
( قالها وهو يشير باصبعه الى الصوبة المشتعلة داخل الخيمة ).
اجمع اجمع ..وايمت خلص اللم..واذ بينا نجمع اكثر من عشرين كربة..
- رد البعض:
- اي بالله خوش صيدة...وبعدين:؟؟
- طفنا وجينا على حويجة مليانة سجر وحطب...
صفينا الطرادة وجبنا ثلاث كربات - اكبر شي - ونظفناها تا نتعشى ..
شقشقنا بطونهن وغسلناهن وجبنا ملح وحطيناه فوقهن تا يهظل المي
ومشان يكتسب اللحم شوية قساوة تا ما يتفلوش بالقلي.
ناس راحت تجمع حطب..
وسوينالك هوبدية عبالك - تعال وشوف - -
- اي ..وبعدين؟؟
قال: شكون بعدين؟؟؟دقينا الثوم وجبنا التوابل وكثرناها حيل..
حطينا المقلى عالنار ليما صار الزيت يفور ويدخن..
بلشنا القلي...
ايمت خلصنا...قعدنا تا نتعشى..
ناس جابت الخبز وناس طلعت الطرشي وجبنالك الليمون.
- يا يما ايمت تحط الليمون عالشبوط المقلي يصير يخبّل..
(( عندما قال هذه العبارة بدأ الكبير من اهل الفقيد
يبلع ريقه وهو يتحسس حموضة الليمون )).
قال:
- اشهد بالله ان الليمون يشهّي....
( لقد نسى المسكين انه في مأتم...وبدأت مشاعره تتجه نحو رحلة الصيد .
المهم..
ما وصلنا البوكمال الا جايبين كل واحد لأهله حضن شبابيط..
- اليوم قلينا تاليها وأكلت منها الى ان صارت بطني عبالك طبل..
وانت تقول لي عليش تشرب ماء؟؟
- والله معد الحق أعق مي من ورا الشبابيط..
فهم الجميع سبب شربه للماء من خلال القصة.
ثم التفتٌّ الى باقي الجالسين فاذ بهم يحكون لبعضهم قصص متنوعة.
- هذا يقول للثاني:
- ها ..انشالله بعت العنز؟؟؟
رد عليه:
- ما شاء الله بعتها بمربح 700 ورقة..لو اريد 900 بعت.
وفي ورشة ثانية كان الحديث:
- العمى...بلد طويلة عريضة ما خليت بيها دكان اريد كاربرتور لهالمهجومة ما لقيت؟
ربك حميد اتصلت على حدا الويلاد وبعثلي اياه من الرقة.
وورشة رابعة تبيع واخرى تشتري..
واذ بالمأتم ينقلب الى سوق تجاري كثر فيه الهرج والمرج..
قلت لحالي:
- ايييييه...الله يرحمك يالمتوفّي.. والله ما حدا جاب طاريّك.
التعازي صارت مجرد لقاء وموضة..
خرجت وكان لا بد لي من المرور على اهل الفقيد لمصافحتهم.
كان كبيرهم يعرف انني صياد سمك...ويبدو ان متعة التشوق للصيد
قد التهبت في خياله بعد سماعه قصة صاحبنا..
فقال لي وهو يضغط على يدي:
- حضر حالك تا نطلع لنا طلعة؟؟؟
كدت اضحك...
خلفكم بالله...
الى اللقاء في حويجة..
غفر الله للشبوط ما تقدم من ذنبه وما تأخر..
فقد كان رمزا للحياة
سعيد الرجيب

سوا مشان سوريا