لم أتذكر السنة التي تم بها احالة تركتور بيت سعيد ارو للتقاعد
من الخدمة...ولكني أعرف انني ولدت بعد عيد الجلاء بتسع سنوات.
وفي عام 1956 بالضبط.
فالتركتور بكل تأكيد كان واقفا هناك على نفس الرصيف.
عرفته عن قرب بعد عام 1961 وذلك اربعة مرات يوميا.
عندما كنت اذهب للمدرسة لاراه في طريقي من البيت للمدرسة
في الدوام الصباحي والمسائي.
كان لونه أحمر...انكليزي الصنع من ماركة - ماسي فركسون - الشهيرة.
وبفعل عوامل الطبيعة من أمطار وحر وبرد وعجاج بدأ لونه يكفهر ويغبر..
وبدأ الصدأ بتغيير معالمه يوما بعد يوم...
ثم بدأت أغراضه ومحتوياته تتناقص فلم يعد فيه دركسون ولا فريم ولا مصافي
ولا براغي ولا اشكمان ولا ساعات ....هيكل فقط.
كم صعدت اليه في الصف الاول والثاني والثالث لاتعلم فن القيادة...؟
وكنت أمسك بالدركسون متظاهرا بالدوران السريع وانا استخدم صوتي
ليرافق مهاراتي في القيادة الطفولية فأقول:
عاااان ...عان ..عااااااان ....عاان.........................
ثم أقلد الوقوف بالضغط على دعسة الفريم قائلا:
- هوووووووووووووووووب..تشششششششش.
كنت أنسى نفسي من فرط سعادتي ..ولا أفيق واصحو الا على يد والدتي
في البيت وهي تنهال عليّ بالعصا قائلة:
- كم مرة قلت لك لا تلعب بالتركتور المهجوم على روس اهله؟؟
والله معد الحق اغسل لك هدوم....شوف شلون خليت حالك؟؟؟يا مشحّر
ولكنني كخرنوب الذي لا يتوب...
اسمع من هون ..وأطنّش من هون...فلا ارى نفسي الا وفي الفورميلا ون.
وبعدها فركة اذن تو....
وقتلة على كيف كيفكم...
ست سنوات وانا في مدرسة تعليم السواقة والتدريب المستمر على سطع الكفوف.
بعدها...
اذكر انني جئت الى بيتنا لأخبر والدتي بالخبر العاجل:
- يما....شالم تركتور بيت سعيد ارو...
فهلهلت المسكينة وسالت عيونها بالدموع السعيدة وقالت :
- يرحم روح امك وابوك يللي شلته ...العمى....فرنسا بصحّاتها انشالت
وهو ما انشال...
خو ما كتبنا بيك سند؟؟؟
وكانت لنا حفلة خاصة بهذه المناسبة السعيدة....
ولكن كانت نهايتها ابدا غير سعيدة..
فقد أكلت من ثرود الباميا حتى سال المرق والدسم الى
كوعي وارداني وقميصي...
فلما رأت والدتي القميص الملوث قالت:
- ما خلصنا من تركتور بيت سعيد ارو حتى علقنا بقميص سعيد الرجيب..
والله معد الحق اغسل يا أهل الله....
فضحكنا من أعماق تراثنا ....
لأننا ببساطة...لم نكن نملك او نستخدم الصابون في ذلك الوقت.
بل كنا نغسل ملابسنا وايدينا بالحرّي.
دمتم في تراث
سعيد الرجيب