مُساهمةموضوع: حصان مندو والمدرب ابو عبدو حصان مندو والمدرب ابو عبدو I_icon_minitimeالإثنين 28 سبتمبر - 4:25
ذكرت لكم من خلال ذكريات الزمن الجميل في خمسينيات القرن الماضي
بعض الصور التي تمثّل جمالية ذلك الوقت.
وجميعكم تعرفون ان بلدنا الحبيبة سوريا قد نالت استقلالها وتحررت عام 1946 م.
والاستقلا بحد ذاته كلمة جميلة ساحرة لا تعادلها اي كلمة في تاريخ الشعوب.
كيف لا....!!!!! وهي تعني الحرية والكرامة وعودة الارض وعودة الحقوق والسيادة.
والاستقلال لا يأتي على شكل هبة او هدية او منّة من أحد..
انه يأتي نتيجة لتلاحم أبناء الوطن وتضحياتهم وشهداؤهم ويتم انتزاعه عنوة وليس منة.
والبلد المتحرر يخرج من كابوس الاحتلال وهو بحاجة الى اعادة تأسيس وبناء وتكاتف اجتماعي شامل
لانشاء مقومات الدولة العصرية الحديثة المكتملة.
فكان بلدنا يمر بكل تلك المراحل وهو في نشوة النصر والاستعداد لبناء سورية الجميلة
بأهلها وارضها وتاريخها العريق.
وشعبنا السوري هو اكثر شعوب الارض انفتاحا على الحياة.
فلا يخلو اي بيت او حارة او حي من احياء المدن السورية من وجود فئات او اشخاص مميزين
يطبعون في كل كلمة يقولونها ذكرى جميلة
وقصة ممتعة, وبسمة خالدة.
فيتندّر بها اهل الحي والحارة وتتناقلها الالسن ليدرجها التراث والتاريخ في صفحاته المشرقة.
وكما قلت لكم: ان شعبنا السوري يميل بطبعه واخلاقه الى روح الدعابة والفرح.
ولدينا قدرة فائقة على ادخال عنصر التشويق والاثارة في السرد القصصي
لتخرج الحكاية الشعبية متكاملة الاطراف ومستوفية لعناصر الجمال.
اسرد عليكم اليوم قصة خيالية مستوحاة من مخفر شرطة البوكمال في الخمسينات .
ستعرفون الوقائع من خلال متابعتكم لمجريات القصة.
التسلسل الهرمي يبدأ من مدير المنطقة ثم مدير الناحية ثم المختار.
ومخفر الشرطة هو الجهة التنفيذية القانونية .
وينقسم الشرطة الى قسمين: اداري وكتبة
والقسم الثاني هو الخيالة او (( الدرك )).
والخيالة طبعا هم الدوريات المتنقلة بواسطة الخيول .
هذا بالنسبة لوزارة الداخلية...
اما باقي المهمات الامنية فكانت توكل للهجانة - حرس الحدود - ورجال الجمارك.
وشرطة الريجي. والحراس الليليين . وجاويش البلدية.
نعود الى شرطة الخيالة:
وندخل الى مخفر الشرطة من بابه الواسع الذي تم بناؤه في العهد العثماني.
ويبدو القوس الاسلامي الكبير في اعلى الباب.
الى اليمين هناك السجن...
والى اليسار تقع مكاتب رئيس المخفر ومكاتب الشرطة.
وفي الوسط ساحة كبيرة..
وفي الداخل تقع اسطبلات الخيول والمستودعات.
كل شرطي من عناصر الخيالة يعرف حصانه المسجل برقم وتاريخ.
والشرطة ايضا يمتلكون خبرة واسعة ويمتازون بروح الدعابة.
وكان من بينهم - مندو - بطل قصتنا مع حصانه المثير.
وتمتاز الخيول بالقوة والذكاء والوفاء والشجاعة.
اما حصان مندو فكان مشاكسا وماكرا ويظهر ذلك من خلال حركاته وتصرفاته الغير اعتيادية.
فعندما يكون الامن مستتبّا والهدوء يعم ارجاء المخفر كان حصان مندو يتظاهر بالنشاط
واللياقة العالية ويصهل بصوت عالي ويقوم بتحريك قوائمه في الهواء لاشعار الناظر اليه
بمدى جاهزيته واستعداده التام لتنفيذ اي مهمة يتم اسنادها الى مندو.
وكان مندو سعيدا جدا ويتباهى بحصانه امام الشرطة قائلا:
- شوفوا ..شوفوا..يا هيك الحصن ..يا اما بلا.
لك العمى ..بدو يخلع باب الاسطبل من كتر ما هو متحمّس للطلعة.
والحقيقة هي عكس ذلك....
فما ان يحدث امر طاريء ويشعر الحصان بأن مندو سيحضر لاخراجه بعد قليل لتنفيذ مهمة ما فانه يتصرف
بتصرفات توحي بانه مريض ليتم اعفاؤه من المهمة.
يدخل مندو ليرى حصانه جالسا على الارض وقد لوى رقبته واغمض عينيه
وبدأ بالصهيل بصوت منخفض يدل على مرضه فيقول له مندو:
- العمى ..يخرب بيتك...هلّا قبل شوي كنت بدك تكسر الباب...
شو العمى اللي ضربك حتى بركت متل البغلة الهرمة؟؟؟
فيعود مندو الى رئيس المخفر ليخبره بمرض حصانه فيقول رئيس المخفر:
لا حول ولا قوة الا بالله....لك روح حط له شوية شعير ما يكون المسكين جوعان.
فيذهب مندو لملء تنكة من الشعير ويصبها امام الحصان قائلا:
كل ...يخرب بيتك سوّدت وجهي قدام رئيس المخفر..
فينصرف مندو.....وتنجح خطة الحصان ويفرح ثم يبدأ بقرط الشعير بكل لذة وراحة.
في اليوم الثاني ينهض الحصان مبكرا ويبدأ بتمثيل الحركات النشيطة التي تدل على اكتمال اللياقة.
فيراه مندو ويفرح ثم يحمد الله لرؤيته حصانه المتعافي من المرض.
وعند الساعة العاشرة صباحا.....!!!!
يبدو ان هناك حركة غير طبيعية في المخفر...
قد يكون هناك مشكلة ما....!!!!!
أسرع الحصان يتهاوى عندما رأى مندو مقبلا عليه وهو يضع برقبته الشنطة السوداء
التي يكره الحصان رؤيتها فهي دائما تعني له بان مهمة قادمة في الطريق.
وما ان تلامس بطنه ارض الاسطبل حتى يبدأ بالزفير واظهار التعب والمرض.
ثم يلوي رقبته كالعادة ويقوم باخراج الفقاقيع الممزوجة باللعاب من شدقيه.
فيذهل مندو لرؤية هذا المنظر:
- يخرب بيتك....الله يستر ما يكون رجعت عليك وعكة امبارح؟؟؟
فيبدأ الحصان باغماض عينيه فيسرع مندو الى رئيس المخفر ليخبره:
- لك يا سيدي والله ما بعرف شو بدي اقول لك؟؟؟
- لك هات احكي شو باك؟؟؟
- الحصان.....!!!
- اي ...شو؟؟؟؟ رجع مريض؟؟؟
- اي والله يا سيدي...
- لك مندو لا يكون حصانك ما عم يشبع؟؟؟
- يا سيدي شو ما عم يشبع..... الله وكيلك ياكل قد عشر حصن.
- لك روح خلي ابو سعيد يطلع بدالك...امرنا لله.
فيذهب مندو لتكليف ابو سعيد بالمهمة.
ينظر حصان مندو الى الشرطي ابو سعيد وهو يمتطي حصانه ويخرج.
فيتنفس الصعداء ويقول:
- لك اها....يا هيك الشغل يا لا.
في اليوم التالي ينهض حصان مندو سليما معافى....ويعود لاستعراض القوة.
قال رئيس المخفر لمندو:
- لك مندو ما يكون حصانك مصروع وتجيه حالات ...
حصل معك شي مرة انو يتخربط متل ما عم يساوي متل هالكم يوم؟؟؟
- لا والله يا سيدي....
العمى ...والله شي غريب...
معد الحق اشتري قشاطات واحزمة لربط اللجام...
كل يوم يقطعها باسنانو عبالك عفريت...
قال رئيس المخفر:
- لك مندو....والله انا خايف لا يكون حصانك عم يساوي هيك ملعنة....
وبساوي حالو مريض حتى يبقى مرتاح ونازل بالشعير دك.
- والله ما بعرف...
- خيو..روح ناديلي على ابو عبدو...
(( ابو عبدو شرطي كهل وهو اقدم عناصر الشرطة وقد أكسبته المهنة خبرات واسعة و
يستطيع من خلال تجاربه الطويلة حل اكبر المعضلات ))
- لشو بدك ابو عبدو؟؟؟
- انت روح ناديه وهلّا بتشوف بعينك.
يصرخ مندو على ابو عبدو بصوت عالي:
- وينك ابو عبدو....تفضل شوف المعلم شو بده منك...
كان ابو عبدو بدينا ويجلس على كرسي خشبي ونهض بصعوبة قائلا:
- يا رب توكلنا عليك.....بدنا نشوف شو بدو الافندي...
يدخل الى مكتب رئيس المخفر....
- أمرك معلمي... تفضل
- لك يا ابو عبدو.....والله راح بتجنني قصة حصان مندو...
ليكو ابن الحرام.....عم يصهل متل زمور سيارة الشحن...
ويرافس برجليه متل المجانين...
بس بدنا هلا نقول في مهمة ومشكلة لازم يروح الشرطة يجيبوا حدا راكبين خيولهم.
يساوي حالو محروء الصفحة انه مريض حتى ينفد بريشو من الروحة...
بقى شلون شايف يا ابو عبدو؟؟؟؟
(( حك ابو عبدو وراء اذنه بظفره.. ثم نقر على جبهته مفكرا: ))
- اي شو عليه.....بسيطة معلم...ولا يهمك..
هلا بتعرف شو بدي اساوي...
تعال مندو معي...
وخرج مندو وابو عبدو وعيون الحصان تراقبهم فقد سمع بكل كلمة قالوها.
واصلا هو يكره ابو عبدو من اول ساعة شافه بها بالمخفر ..
وعرف من خلال التعايش معه ان وجهه اقشر ولا يبشر بالخير.
وكم تمنى لو ان يأتي أمر بنقل ابو عبدو من هذا المخفر.
جلس ابو عبدو في ظل الجدار المقابل للاسطبل.
فقال ابو عبدو وهو ينظر الى الحصان:
- روح مندو جيب لي هداك الكريك (( المسحاة ))...وجيب لي الجاكوك بطريقك.
الحصان وخزه قلبه وشعر برعشة شديدة خاصة وان عيون ابو عبدو لا تفارق النظر اليه...
قال في نفسه:
- يلعن اخت الساعة اللي شفت بيها ابو عبدو.....
والله ما راح يتركني اخو المحلوشة قبل ما يبهدل احوالي.
يا ريتني ما ساويت حالي مريض...
جاء مندو وهو يحمل المسحاة والجاكوك وقدمها لابو عبدو.
قام ابو عبدو بالطرق على حديدة المسحاة لتنصيل الشبي..
ثم اصبحت هراوة غليظة طار عقل الحصان وهو يراها بيد ابو عبدو.
وعرف ان درس الحساب قادم لا محالة وعليه الانتظار لرؤية من اتت هذه البلية.
نهض ابو عبدو وهو ينفخ بيديه ويضرب باطن كفه بالهراوة وتقدم باتجاه الاسطبل..
ما ان دخل مع مندو الى الداخل حتى ارتجفت اعضاء الحصان وبدأ العرق يتصبب من جسده.
قال ابو عبدو مخاطبا حصان مندو بطريقة ساخرة:
لاه لاه لاه ..يا حرام يا مسكين.... لك والله هالحصان الطيب ما بيستاهل المرض.
اي عليّ الحلال بدي اعطيك دوا ما عطاه طبيب العيون لجدي.
لك الله وكيلك من يومها ما عاد يطس .
قال الحصان في نفسه:
- اكلناها ورب الكعبة...
ثم هوى ابو عبدو بالهراوة الاولى على مؤخرة الحصان قائلا:
- لك خود جرب هالكبسولة تبع التتراسكلين...
ثم هوى بالثانية...
- لك يمكن الديماس فيناكول اقوى من التتراسكلين ...شو رأيك؟؟؟
ثم هوى بالثالثة والرابعة والخامسة...
وهاي سيتامول....وهاي قطن ومرهم جروح...وهاي قز القرط اللي يلعن امك على ابوك...
- لك مغضوب.....!!!!! ما خليت بالمخفر كيس شعير الا ولعنت ابو اللي خلفوه ...
ولما بدنا منك بس خمس دقات وصلة رجعة بتساوي حالك مريض؟؟؟
لك عليّ الطلاق من ابو عبدو ازا شفتك من اليوم ورايح بارك عالارض الا ابعت جلدك للدباغ.
ثم انهال من جديد بالضرب على الحصان الذي نطق بالشهادتين وتوسل الى كل الانبياء لكي يخلصوه من ابو عبدو.
رقّ قلب مندو واشفق عليه وقال لابو عبدو:
- حاجتك ابو عبدو....المسكين انتهى..
فنظر ابو عبدو الى مندو وقال:
- لك انت اللي عطيتو وش... هدول بقم ما بينعطالن وش يا مندو...
ثم تركوا الحصان يئن بشكل حقيقي وصحيح وليس تمثيل.
وعندما ابتعدوا قليلا فتح الحصان احدى عينيه فوجدهم يبتعدون.
فتنفس الصعداء وقال بصوت متأوه:
- روح...الهي روحة بلا رجعة يا ابو عبدو...
الله ينتقم منك .
ومن يومها...
مجرد ما ان يرى الحصان وجه ابو عبدو يصد الى الجهة الثانية مستذكرا دروسه.
وعاد الى طبيعته الحيوانية متمثلا دور الحصان النشيط الذي
يؤدي واجباته بانتظام ودون تردد.
وكان الشرطة يتندرون بقصة حصان مندو في سهراتهم الجميلة..
والى حصان اخر وقصة جديدة من تراثنا الخالد.
استودعكم الله
سعيد الرجيب
الرئيسية 
دخول 
الأحداث 
https://haky.ahlamontada.com 
س .و .ج 
بحـث 
الأعضاء 
التسجيل 
الابراج
