الثورة بين الفقر والعدالة

سيكون محور حديثي معكم في هذه الحوارية حول نقطتين هامتين قد لا تكون ذات اهمية بالنسبة للقاريء العابر ولكنها بمجرد ربطها بموضوع النقاش سوف تكون مضاءة بشكل يستحق الاستيعاب والفهم...النقطة الاولى هي الفقر ...والنقطة الثانية هي العدالة فكيف التقى الفقر مع العدالة ؟ وماذا نتج عن هذا اللقاء؟ وما هي الحلول ؟ .....الفقر ايها السادة في اي مجتمع فاسد ينمو ويتكاثر ويزداد يوما بعد يوم عندما يصل حال الفرد الى ما دون نقطة الصفر فيصبح كل ما بعدها مباحا ومشروعا ....لقد وصل حال الشعب في سوريا بعد سنة 2000وما بعدها الى درجة مزرية من التعب والانهاك والجوع والخوف والرغبة في الانتقام والاماني العامة بأن تتبدل هذه الطغم والزمر الفاسدة والسيئة ليحل مكانها من يرحم العباد ويتقي الله ويخفف معاناة الفقراء ...انتشرت الرشوة وعم الفساد ....تم كبت الحريات وتكميم الافواه واعتقال المعارضة....تسليط فئة محسوبة على النظام على رقاب الشعب من باقي الطوائف وتهميش كل من لا يوالي الطائفة العلوية.السيطرة على كل مؤسسات الدولة بدءا من العسكرية وانتهاءا بالخدمات...وضع الضرائب والرسوم لتحميل المواطن اعباء اضافية هو غير قادر اصلا على دفعها...رسم الماء والكهرباء والنظافة والرصيف والدخل ورسم التعبئة والمجهود الحربي ورسم الزفت والطرقات ورسم المرور ورسم البناء ورسم فلسطين ورسم المباريات الرياضية ...لا يمكنك كتابة معروض بدون رشوة ..ولا يمكنك استخراج قيد نفوس عائلي او هوية بدون دفع رشوة ..لا يمكنك تجاوز طريق قبل ان يستوقفك شرطي مرور للرشوة..ورجال الجمارك منتشرون في كل مكان ..ورجال 17 فرع امني ومخابرات ما عدا مخافر الشرطة والريجي يتربصون بكل حركة من حركات المواطن والتقارير مكتوبة وجاهزة ان لم تدفع لن تسلم.تستطيع ان ترشو القاضي فيفرج عن المحكوم بالاعدام ..وتستطيع ان ترشو موظف التجنيد ليرفع عنك خدمة العلم ...بعد عام 2000 وصلت الحالة في سوريا بشكل عام الى مستوى الاباحية وتحريم المحلل وتحليل المحرم...تغلغل الفساد الى رجال العسكرة والسياسة ورجال الدين والمشايخ وكل دائرة ومؤسسة حتى شعر المواطن بأنه مجرد كائن لا يسمح له سوى شرب الماء والتنفس المجاني وبدون كلام او نطق او تعبير وهكذا سارت الامور ....!!!!الا تلاحظون معي ان هذه العوامل والمؤثرات التي عاشها المواطن السوري جعلته يشعر بعدم الامان اولا ...ولم يعد يثق بالحكومة ..ولم يعد يطيق الحياة اكثر خوفا من وصول الحال الى فقدان الكرامة بعد الهوية والانتماء...لم يعد امام المواطن سوى التفكير بالانتقام للخلاص من هذا الوضع...واصبح مستعدا لموالاة الشيطان من اجل الحصول على الحرية ..فبدأت شرارة الثورة ...وليس المهم كيف ومتى واين...يكفي انها ثورة نادت بالتحرر والخلاص وهذا ما جعل الشارع ينتفض وانطلقت شرارة الثورة لمحاسبة ومعاقبة كل من تمادى كثيرا على حريات الناس وكان مؤذيا وسيئا وبدون اخلاق وكرامة ..وشيئا فشيئا اصبحت الثورة قوة لا يستهان بها واتسعت دائرة الفصائل الثورية لتشمل اغلب المناطق وكانت قمة الثورة في 2011 ولغاية 2013 فقط كثورة عظيمة ونظيفة وتضم في صفوفها نخبة ممتازة من شرفاء الوطن ..وعندما دخل اليها مندسون وغرباء واصحاب اطماع والراغبين في المناصب والمكاسب بدأت جذوة الثورة تفقد بريقها وتتراجع عندما كثر فيها القادة وتعددت الفصائل وتنوعت اشكال الداعمين ومواقفهم ومصالحهم الى درجة لم يعد يفكر الكثير من المحسوبين على الثورة الا بمصالحهم الفردية ونسيان الوطن والاستعداد لبيعه مقابل المال والجاه.وفي هذه الحالة فقد المواطن شيء اسمه ( العدالة ) فعادت به الذاكرة الى ايام الفقر الاولى وكيف كان يفكر بالخلاص من الفقر ليجد نفسه في حال اسوأ من الفقر وهو انعدام العدالة وخاصة في ظل التهجير حيث تتطلب المعاناة بالحصول على اغاثات معيشية لم يرى منها المهجر شيئا بسبب وقوعها في ايادي لصوص هم اكثر جشعا من موظفي الدولة في عهد النظام الظالم فماذا يفعل المواطن وهو حائر بين الفقر وبين اختفاء العدالة ؟؟ اليس هذا هو حالنا ؟؟ لك الله ايها المواطن وايها الشعب الصابر والدعاء بالفرج والخلاص من كل ظلم وقهر وعبودية ..الى اللقاء.