في خضم تزاحم الذكريات من بلدي العزيز البوكمال لطالما أحببت أن يكتب أحد ما عن هذه البلدة وتراثها وعن أشخاصها وشخوصها وخصوصا أولئك المميزين الذين لا نشعر بتميزهم.
فكما هو معلوم لدى حضراتكم أن كل بلد يختص أهله بلباس أو عادات هي لهم وحدهم، قد يشاركهم فيها غيرهم لكنها لهم سمة بارزة عليهم.
لا أريد أن أطيل المقدمة ولأدلف في صلب الموضوع مباشرة ولنتساءل الأسئلة الآتية؟
• ما هو أبرز لباس يلبسه الرجال عندنا في البوكمال.
• وهل هناك لباس مميز عند بعض الناس يختلف عن لباس المجموع؟
• وما هو لباس المرأة المعتاد عند خروجها من البيت؟
• وهل الجيل الجديد متمسك بتلك الأزياء أم يحاول التملص منها، وقبل ذلك ما هو رأيه بها؟
إن لباس أبي وأجدادي الذين أذكرهم ولباس أهل بلدتي بعامة الذي يخرجون به لمقابلة الناس مكون في الغالب من: ( القلابية أو الدشداشة، ( وقبل ذلك كان هناك لباس يسمى "الزبون"، قد نتطرق للحديث عنه في مناسبة أخرى) والجاكيت أو السترة، تعلوهما العباية أو (الغاشية، أو الخاشية) واليشمغ الأزرق أو (الشماغ) وهو الغالب، ثم جاء الأحمر، وفوقه العقال.
كان الرجل يخرج من بيته وهو على أتم زينته، يعلوه البهاء وتكسوه الهيبة، إذا لم يكن من أصحاب المهن، بأن كان من التجار مثلاً، فإنك تجده يسير وسط السواق كأنه الصقر في شموخه، والأب الرحيم في تواضعه، يلقي السلام والتحيات على كل من يلقى، حتى يصل إلى الهدف الذي هو متجه إليه، إما مقهى البلدية، أو أحد التجار في الأسواق الذين جعلوا من محلات تجارتهم مكاناً أشبه بالنادي يجتمعون فيه مع أصحابهم ولا مناص من أن أذكر هنا محل الحاج عبدربه البرغوث رحمه الله، ومحل الحاج جاسم العلاكة رحمه الله، تجدهم يجلسون في تلك المحال فتدور بينهم أحاديث الرجال، ويناقشون بعضاً من مشاكل البلدة التي لابد من حلها، وبعض المسائل الدينية والاجتماعية، فكل يدلو بدلوه، وإذا كان لدى أحد من الناس مشكلة فإنه يقصد تلك المحلات ليعرضها على المجتمعين هناك، فيأخذ برأيهم ويتبع مشورتهم، فقد كنت تجد في ذلك المجلس (أخو عرنة) المفتي رحمه الله بروحه الخفيفة ونكاته اللطيفة وصوته الغليظ، وكنت تجد كذلك بعض المثقفين ( والمثقف في ذلك الوقت هو من يعرف القراءة والكتابة والحساب).
أما عن الجلوس في مقهى البلدية فكان غالبا ما يتم من الشباب.
وكانت قبل ذلك الدواوين المعروفة هناك مثل: ديوان بيت دبس، وديوان بيت زرزور، وديوان بيت سلمان، وديوان بيت أشعب وغيرها، وهنا لابد أن أذكر وإن كنت قد استطردت كثيراً أن تلك الدواوين كانت تفتح في أوقات محددة، فبعضها كان في الصباح، وبعضها في وقت العصر وآخر للسهرة وبعضها صيفية وثانية شتوية؛ وكانت الدواوين عبارة عن نادٍ للمشاورات، ومجلس شورى الاجتماعات، ومأوى لأبناء السبيل الذين انقطعت بهم السبل فلم يستطيعوا مغادرة البلدة نهارا والفنادق غير معرفة ولا مألوفة عندنا، فإنهم يجدون في ذلك الديوان المنامة والطعام، وأخص بالذكر هنا ديوان بيت دبس، وكان أبناء القرى يسمون الحاج عجيل أبو دبس لأنهم كانوا يتناولون ذلك الطعام في ذلك الديوان، فذهب هذا الاسم عليهم.
نعود إلى السؤال المهم الذي سنضعه في نهاية كل حلقة من حلقات هذه السلسلة طبعاً إن وافقت إدارة المنتدى الكريمة على تسميتها حلقة وإن وافقت على موضوعها ونشرها.
السؤال هو:
إلى أين يتجه هذا اللباس وهذه العادات أإلى الاضمحلال والنسيان، أم أن جيلنا والجيل القادم سيحافظ عليها؟ وأخص بالذكر هنا الملابس والأزياء الخاصة بأهل بلدتنا؟
أنا بانتظار تعليقكم وتصحيحكم لمعلوماتي التي ما قصدت بها تمجيد أحد أو تقديسه، إنما هي مجرد ذكريات أغلبها أحاديث سمعتها ممن هم أكبر مني، وكثيرون هم الأشخاص المذكورون هنا الذين لا أعرف إلا أسماءهم وإن كنت اجلهم وأقدرهم.