في الزمن الجميل.....
خمسينات القرن الماضي.
كان للحياة طعم اخر.....
وسائل الاعلام معدومة ما عدا الراديو والصحف التي لا تصل الينا.
يبقى الراديو وحيدا في الميدان....
نحفظ برامجه وأغانيه والتمثيليات والاخبار عن ظهر قلب.
وبدأ العلم والتقنيات تتطور بالتدريج....
فظهرت الة التسجيل - المسجلات - .
فتغنى الناس وفرحت قلوبهم بهذا الاختراع المدهش...
ان يكون بامكانك التكلم باللاقط فيظهر صوتك ...انه حلم.
اصبح الحصول على مسجلة نوع من الترف والوجاهة....
واصبح شريط الكاسيت قطعة ثمينة عند مالكيه.
معظم ابناؤنا يعملون بالخليج...
كانت اكثر وصايا الاهل والاصدقاء:
(( ابعث لي مسجلة مع أقرب طارش ))...
وهات لي معاها كم جوز بطاريات...
صارت الرسائل المتبادلة بين الاهل والمغتربين
تتم بواسطة تسجيل الشرطان وارسالها او استلامها منهم.
هنا اسمحوا لي ان أتوقف لأصف لكم نسخة طبق الأصل عن رسالة ما.
(( أب يرسل الى ابنه رسالة مسجلة بحضور الأهل ))
بعد الضغط على زر play + recorder يتم التسجيل
وتعيير الصوت وتقريب الفم نحو اللاقط :
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اذا وصلكم الشريط صباحا فصباح الخير
واذا وصلكم مساءا فمساء الخير عليكم جميعا يا سامعين الصوت.
انا خلف الجربوع الهيّال من الجواتبة - عشيرة البوماعز
الى ولدنا محمد الخلف الجربوع....وابن الاخت القالي زيدان القاطوع
واولاد العم فرج المزعل الهيال وغنام وصايل وهجيج الثلاّج.
اكلمكم من البوكمال الى سماء الكويت القالية.
مشتاقين للجميع ومتوجلين عليكم واذا سألتم عنا فما عنا منشود
الحمد لله الجميع يسلمون عليكم وناطرين جيّتكم على جمر.
نخبركم ان حبابة - حصّة - انطتكم عمرها...
عليها رحمة الله خطية تمرمرت تالي الوكت.
ما خلينا بيها طبيب الا ودّيناها عليه.
معد تقدر تدزّ بق المي...وسلمتها لرب العالمين يوم الخميس الماضي.
البقية بحياتكم جميع
ما يدوم الا وجه الله الكريم وكلنا راح نموت.
ابني محمد:
وصلتني الفليسات اللي دزّيتهن مع الطارش جاسم الشواخ
من البوطاسة...ومعاهن المكتوب بالتمام والكمال.
ومثل ما وصّيتني رحت اشتريت القاع البسد خوالك شرجي دور حردان.
وتشاركنا بالقود مع خوالك وماشاء الله المي ناكس عالقاع مثل راحة الايد.
وزاد عندي كم جرش اشتريت لي بيهن كم راس قنم.
وظل عندي توالي فليسات غبيتهن - مجبلين على سماد وشلول قطن - .
وانطيت خوالك ست عبي مليانات تبن للهوايش مثل ما وصيتني.
وهاذ كل اللي اخبرك بيه...
ابني دير بالك على حالك والله يوفقك
وهاك امك تريد تحكي وياك.
(( تستهل الأم حديثها بالبكاء والحشرجة والحنين ))
ييابا ...ييابا....هيء هيء هيء.....
(( ثم ترتجل شعرا عفويا )) :
يا محمد الجربوع عيني مريضة
ما طيب الا بشوفة الكان عالبال
صومي وصلاتي دوم سنّة وفريضة
للواحد اللي يعلم الحال بالحال
....ييابا محمد ..اشلونك يا قالي؟؟؟
والله تراني ييابا ادعيلك بالليل والنهار...
اخوك عصمان ماشاء الله صار كبير...
وانت ايمت رحت عالكويت كان يرضع وما يعرفك.
كل ما يشوف صورتك يقللي يما اريد محمد.
واختك جوها خطابة من اولاد خالك وقلنالهم ما ننطيكم
الا بعد ما نشور محمد..اذا انت موافق تا ننطيهم.
هذول خوالك ييابا ومو غرب.
اخوك مهيدي زعلان ويقول ما بعث لي محمد شريط - يا عنيّد ييابا - .
وجدك وصاني ويريد منك تتن فرط عراقي
يقول ترى روحي تتفركث عليه.
ودخان ابو دفرة ذبحني - طول الليل أقح - .
وهللاتك بجدك ابعث له دشداشة ومحرمة وعقال ترى العيد قرّب.
ابني ابني ما وصيك...
ترى الطارش جاسم الشواخ يقول عايشين عالمبصلّية..
وما ناكل غير بطاط وطماط وبصل .
ييابا انتم تعابة ..والتاعوب ما يسند قلبو غير الثريد.
اصخوا على حالكم وعبّّوا بطونكم ترى الشغل خلّص اهله وما خلص.
ووصتني اختك عمشة على وصلة قماش من الطالع جديد
اسمه ( اكلك منين يا بطة ) وتقول اريد خمس اذرع
ويكون الكشكش أصفر ذهبي تا يلمع على عين الشمس.
(( يقاطعها زوجها )) :
- يا زي عاد ..ها شسويتي بينا....
ما تشوفين البطاريات خلصت وقامت المسجلة تجرجر وتعلس؟؟؟
فيضغط الرجل على stop>
يتم ارسال الشريط بعد السلام...
يمر شهر والحارة كلها ما عندها غير سالفة:
بيت خلف الجربوع دزّم شريط لابنهم ...
وينتظرون وصول الجواب.
انها لحظات الهناء والسعادة ترفرف على قلوب الجميع.
انه زمن الاصالة والبساطة.
اشكركم
سعيد الرجيب
سوا مشان سوريا |